مقدمة
تُعد مشكلة تلوث التربة في قطاع غزة من أكثر المشكلات البيئية تعقيداً وإلحاحاً، إذ تؤثر بصورة كبيرة في التنمية المستدامة والأمن الغذائي في المنطقة. ويواجه قطاع غزة حصاراً من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ سنة 2006، وقد تعرض خلال هذه الفترة لعدة حروب ألحقت أضراراً جسيمة بالبنى التحتية فيه، كان آخرها الحرب التي اندلعت منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 حتى الآن. وتميزت هذه الحرب بتدمير واسع النطاق للبنية التحتية، بما في ذلك الأراضي الزراعية، وهو ما أدى إلى ارتفاع مستويات التلوث البيئي بصورة غير مسبوقة. فقد ساهمت الحرب هذه مباشرة في تدهور نوعية التربة عبر إلقاء آلاف الأطنان من الملوثات الكيميائية والبيولوجية الناتجة من القصف المكثف واستخدام الأسلحة المتفجرة، والتي يحتوي بعضها على مواد محظورة دولياً. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أدى تدمير أنظمة الصرف الصحي وتسرب المياه الملوثة إلى الأرض إلى تفاقم المشكلة، ونتيجة لذلك، أصبح تلوث التربة في غزة قضية اجتماعية واقتصادية تمس حياة الآلاف من المزارعين والأسر التي تعتمد على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل، الأمر الذي يزيد من تهديدات الأمن الغذائي ويعزز من معدلات الفقر في منطقة تعاني جرّاء العديد من التحديات والمشكلات المتراكمة.
تهدف هذه الورقة إلى رصد الوضع الراهن وتحليل المشكلات المتراكمة بسبب هذا التلوث، وتهتم بتبنّي السياسات والخطط الاستراتيجية لمعالجة مشكلة تلوث التربة الناتجة من الإبادة البيئية في قطاع غزة. كما تسعى لتقديم رؤية شاملة ومتكاملة تشمل الحلول العاجلة والطويلة المدى، استناداً إلى تجارب دولية ناجحة في إعادة تأهيل المناطق المتضررة من الحروب، مع التركيز على تعزيز الأمن الغذائي وتحسين نوعية التربة للأجيال القادمة في غزة.
خلفية ونظرة عامة
تشكل الأراضي الزراعية في قطاع غزة 10% فقط من مجموع الأراضي الصالحة للزراعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ إن باقي الأراضي تقع في الضفة الغربية (WorldBank 2023)، وتشكل هذه النسبة 151 كيلومتراً مربعاً في قطاع غزة، أي ما يعادل 41% من إجمالي مساحة قطاع غزة (FAO 2024). وتُستخدم الأراضي الصالحة للزراعة في غزة لزراعة محاصيل متنوعة، بما فيها: الحمضيات، والخضروات، واللوز، والتمر، والزيتون، والجوافة، والفراولة، والزهور، وغيرها (UNEP 2020). وهناك الكثير من العوامل التي أدت إلى تدهور التربة في قطاع غزة، بما فيها انخفاض المواد العضوية، وتلوث المياه الجوفية من الجريان السطحي للمواد الكيميائية الزراعية واختلاطها بمصادر تلوث أُخرى كمياه الصرف الصحي، وتسرب عصارة النفايات الصلبة، بالإضافة إلى تسرب المياه المالحة من مياه البحر، وهو ما أدى إلى تدهور جودة المياه، الأمر الذي أثر في صحة الإنسان، وكذلك الإنتاجية الزراعية. كما أدت القيود المفروضة من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي على الوصول إلى خدمات الطاقة والطاقة البديلة، فضلاً عن تقليص قاعدة الموارد الطبيعية بسبب الحصار المفروض على القطاع والحروب المتكررة التي تدمر البنى التحتية، إلى أضرار مباشرة في الأراضي الزراعية وموارد التربة في غزة. كما أثرت الإجراءات المفروضة على استخدام المياه والأراضي، وعلى استيراد المواد والتقنيات، في ممارسات الزراعة، إذ إن تلوث التربة في غزة له جذور عميقة في الممارسات الزراعية غير المستدامة، كاستخدام المزارعين للأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية المفرطة لزيادة غلة المحاصيل، فضلاً عن التأثيرات المركبة للاستخدام المكثف للمواد المتفجرة والكيميائية (UNEP 2020).
تأثيرات تدمير وتلوث التربة في القطاع الزراعي ومناحي الحياة المتعددة
إن تدمير البنى التحتية المتصلة بعضها ببعض في قطاع غزة خلال الإبادة البيئية الجارية حتى الآن أدى إلى تسرب 60,000 متر مكعب من المياه العادمة غير المعالجة إلى التربة ومياه البحر حتى شهر آذار/مارس 2024 (UNEP 2024)، وهو ما تسبب بتلوث خطِر للتربة، وأثّر في خصوبتها وصلاحيتها للزراعة. هذا التلوث، المتزامن مع تدهور جودة المياه وقلتها، يساهم في زيادة خطر التصحر وتآكل التربة، الأمر الذي يهدد الأمن الغذائي في القطاع. كذلك الأمر، فإن الاستخدام المكثف للمركبات العسكرية الثقيلة في القتال والنقل والتدريب يؤدي إلى تدهور جودة التربة، ويعرّض الغطاء النباتي للدمار، وهو ما يؤدى إلى انخفاض كبير في التنوع البيولوجي وزيادة معدلات تآكل التربة، كما يؤدي إلى تقليل نسبة الكربون إلى النيتروجين، الأمر الذي ينعكس سلباً في خصوبة التربة وقدرتها على دعم الزراعة (Mahreen 2022). علاوة على ذلك، فإن هذه المتغيرات تجعل الأراضي الملوثة غير صالحة للاستخدام الزراعي أو السكني حتى يتم معالجتها بصورة فاعلة. وفي البيئات الهشة، كتلك الموجودة في غزة، يتفاقم تأثير هذه الأضرار بسبب الأوضاع المناخية كمواسم الأمطار، إذ يزداد خطر تآكل التربة وانجرافها، وهو ما يشكل خطراً أكبر على القطاع الزراعي والأمن الغذائي للمنطقة المعرضة لهذه المخاطر.
في قطاع غزة، وفرت الزراعة فرص العمل، والغذاء لنسبة كبيرة من السكان لأعوام طويلة، على الرغم من التحديات التي واجهتها، كمحدودية الوصول إلى الأراضي الصالحة للزراعة، وموارد المياه، والأسمدة، وغيرها من المدخلات، فضلاً عن القيود المفروضة على الحركة. قبل الإبادة البيئية التي تعرض لها قطاع غزة سنة 2023، كان أكثر من نصف السكان في غزة يعتمدون هيكلياً على المساعدات الغذائية الإنسانية والسلة الغذائية المتوفرة في القطاع (WorldBank 2024). وقد أدى تلوث التربة الناتج من الحرب إلى انخفاض حاد في الإنتاج الزراعي، إذ تأثرت جودة المحاصيل كثيراً بسبب تراكم المواد السامة في التربة. كما أن استهداف الأراضي الزراعية والتربة أدى إلى إلحاق أضرار ضخمة بالقطاع الزراعي، تُقدر بنحو 629 مليون دولار أميركي بحسب التقييم الموقت للأضرار الذي قدّمه البنك الدولي حتى نهاية شهر آذار/مارس 2024 (WorldBank 2024)، الأمر الذي يهدد سبل العيش، ويزيد من انعدام الأمن الغذائي للسكان بالكامل؛ فأكثر من 60% من الأضرار تركزت في محافظتَي شمال غزة وخان يونس على شكل تدمير الأشجار، والمزارع، والبيوت الزجاجية، ومؤسسات البيع بالتجزئة، والبنية الأساسية للري كما تُظهر الصورة رقم 1.
الصورة رقم 1: توزيع الأضرار التي لحقت بالأراضي الزراعية في قطاع غزة في إثر الإبادة البيئية حتى شباط/فبراير 2024 (FAOUN).
وبحسب تقرير منظمة الغذاء والزراعة الأخير لشهر أيار/مايو 2024 (FAO 2024)، فإنه يظهر أن أكثر من نصف الأراضي الزراعية في قطاع غزة تضررت، إذ إن 61% من الأضرار هي أضرار لحقت بالبساتين، و20% هي أضرار في الأراضي الزراعية المخصصة للحبوب، و19% من الأراضي الزراعية للخضروات، كما تُظهر الصورة رقم 2. كذلك الأمر، فإن تقارير تابعة لمنظمة الأمم المتحدة أكدت أن 46.4 % من الآبار الزراعية تم تدميرها في قطاع غزة حتى شهر أيار/مايو 2024 (UnitedNations 2024).
الصورة رقم 2: الأضرار التي لحقت بالأراضي الزراعية في قطاع غزة بسبب الإبادة البيئية حتى شهر أيار/مايو 2024.
التحليل الكمي والكيفي للآثار المترتبة على تدمير القطاع الزراعي وتدهور جودة التربة في إثر الحرب على قطاع غزة
هذا التحليل يشير إلى أن تدهور التربة والقطاع الزراعي في قطاع غزة بسبب الحرب 2023 - 2024 ليس مجرد كارثة بيئية، بل أيضاً هو حرب شاملة تؤثر في الاقتصاد، والمجتمع، والصحة العامة، وتتطلب تدخلات عاجلة وشاملة للتخفيف من آثارها.
بعض الآثار الكمية الناتجة من الحرب
- نسب تراجع الإنتاج الزراعي:
تقدّر نسبة تراجع الإنتاج الزراعي بسبب تلوث التربة وفقدان الأراضي الزراعية بنحو 40 - 60% (FAOUN 2024)، وتعتمد هذه النسبة على مدى التلوث ونوع المحاصيل المتضررة؛ إذ تذكر دراسات الحروب السابقة المشابهة أن التأثير الأكبر يمكن أن يتسبب بالتأثير في المحاصيل الأساسية، كالقمح والخضروات، إذ سيؤدي التلوث إلى تقليل جودة المحاصيل وكميتها، وهو ما سيؤثر سلباً في الأمن الغذائي في غزة (Nasir, Nugroho, and Lakner 2022). وبناء على تجارب الدول السابقة في الحروب، فإنه من المتوقع أن تتأثر المناطق الزراعية ذات الخصوبة العالية لتصبح أكثر ضرراً بسبب اصطدام القنابل والمتفجرات بأراض لينة وذات مواد عضوية غنية، وهو ما يؤدي إلى تفاعل وتأثير سلبي عكسي في هذه المناطق الزراعية، كما حدث في كمبوديا (Lin 2022).
- نسبة الفقر والبطالة:
من المتوقع أن يؤدي تدهور التربة إلى فقدان وظائف في القطاع الزراعي، وهذا التدهور سيزيد من نسبة الفقر، إذ يعتمد العديد من السكان في غزة على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل. وقد تعرضت الأسر التي تعتمد كثيراً على الزراعة لخسائر في دخلها بلغت 72%، بحسب ما صدر عن تقرير منظمة الزراعة والأغذية (FAOUN 2024).
- نسبة التأثير في الأمن الغذائي:
يمكن أن يؤثر تدهور التربة سلباً في الأمن الغذائي بنسبة 20 - 30%. والتراجع في الإنتاج المحلي يزيد من الاعتماد على الواردات الغذائية، وهو ما يرفع التكاليف ويزيد من معدلات انعدام الأمن الغذائي بين الأسر في غزة (FAOUN 2024).
بعض الآثار الكيفية الناتجة من الحرب
- تدهور جودة الحياة:
تؤدي الآثار البيئية لتدهور التربة إلى تدهور الصحة العامة، بما في ذلك زيادة حالات سوء التغذية، وتفاقم الأمراض المرتبطة بتلوث المياه والتربة، كأمراض الجهاز التنفسي، وأمراض الجهاز الهضمي، والأمراض الجلدية. إن البيئة غير الصحية تزيد من الضغط على الخدمات الصحية والبنية التحتية في غزة، وهو ما يؤدي إلى تدهور مقومات الحياة بصورة عامة، وانتشار الأوبئة بصورة متفاقمة في مناطق الخطر والحروب كما حدث (Rawtani et al. 2022).
- التأثير في الاقتصاد المحلي:
يعتمد الاقتصاد المحلي في غزة كثيراً على القطاع الزراعي، وتدهور التربة يعني انخفاض القدرة التنافسية للمزارعين المحليين، وهذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة العجز التجاري وزيادة الاعتماد على المساعدات الدولية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تراجع الإنتاجية الزراعية يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، وهو ما يزيد من تكلفة المعيشة، ويقلل من القدرة الشرائية للأسر كما حدث خلال فترة الصراع بين روسيا وأوكرانيا، حين زادت تكلفة المعيشة بسبب تأثر القطاع الزراعي والإنتاج المحلي بصورة أساسية (Skydan et al. 2023).
- الآثار الاجتماعية:
لقد تسبب تلوث التربة نتيجة الحرب على قطاع غزة بآثار اجتماعية سلبية عديدة تشبه ما شهدته مناطق نزاع وحروب أُخرى حول العالم؛ إذ أدت هذه الحرب إلى فقدان الأسر التي تعتمد على الزراعة لمصادر رزقها، وهو ما زاد من معدلات البطالة والفقر، وأدى إلى انعدام الأمن الغذائي، كما حدث في النزاعات والحروب السابقة في مناطق العراق وسورية. ويعيش السكان في بيئة مليئة بالتوتر والقلق النفسي نتيجة فقدان مصادر الدخل وتدهور الأوضاع المعيشية، وهو ما يزيد من حالات القلق والاكتئاب. وهذه الآثار تعكس الأزمة الإنسانية الشاملة التي تتطلب تدخلاً عاجلاً وشاملاً (Aliyas 2016).
استراتيجيات المعالجة وإجراءاتها
توفر تجارب إعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة من الحروب نموذجاً بيئياً يمكن الاعتماد عليه في وضع استراتيجيات وخطط تعافي فاعلة لمعالجة تلوث التربة في قطاع غزة في إثر هذه الإبادة البيئية بحسب الخصائص المتعددة للبيئة، وهو ما يساهم في إعادة الحياة إلى الأراضي الزراعية، وتحسين الأمن الغذائي في المنطقة، وهذه بعض المقترحات والتوصيات التي يمكن الاستفادة منها في إجراءات المعالجة لتلوث التربة في قطاع غزة بعد الحرب على المدى القصير والبعيد.
الإجراءات الفورية بعد انتهاء الحرب
- إزالة التلوث الكيميائي: استخدام تقنيات لإزالة المواد السامة من التربة، كالحفر والإزالة الفعلية للطبقات الملوثة، وإعادة التربة النظيفة. إذ إن عدم الاستصلاح الصحيح للتربة الملوثة يمكن أن يؤدي إلى خسارتها بالكامل، وخصوصاً التربة الملوثة بالمواد الكيميائية السامة كالفسفور الأبيض أو اليورانيوم، كما تم تلويث تربة قطاع غزة (Kaamil Ahmed 2024). والاستجابة السريعة تمنع تفاقم التلوث وانتشاره.
- المعالجة الحيوية (Bioremediation): استخدام النباتات والبكتيريا لتحليل الملوثات في التربة وتحويلها إلى مواد غير ضارة، وتعديل الخصائص الفيزيائية والبيولوجية للتربة. وهذه التقنية تعتمد على قدرة الكائنات الحية على تكسير الملوثات العضوية والمعادن الثقيلة وتغيير روابطها، ومن ثم تحويلها من مواد سامة إلى مواد أقل سمية أو مواد داعمة للتربة (Certini, Scalenghe, and Woods 2013).
- المراقبة البيئية: إنشاء أنظمة مراقبة بيئية شاملة فوراً لرصد مستويات التلوث وتحديد المناطق الأكثر تضرراً، وهو ما يساعد في تحديد أولويات المعالجة وخطط الطوارئ، ويساعد في اتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة وصحيحة.
الإجراءات على المدى البعيد
- إعادة التشجير والزراعة: على المدى البعيد، يُنصح بزراعة الأشجار في المناطق المتضررة لتعزيز استعادة التربة وتحسين جودة الهواء والماء. وكانت إعادة التشجير وسيلة فاعلة للحد من تآكل التربة وتعزيز إعادة الحياة إلى الأراضي الملوثة، وهذه الاستراتيجيا تعتمد على زراعة أنواع نباتية مقاومة تساهم في تحسين جودة الهواء وتعزيز خصوبة التربة من جديد.
- استخدام الأسمدة العضوية: لتعويض النقص في العناصر الغذائية في التربة المتضررة، يمكن استخدام الأسمدة العضوية والمواد الطبيعية لإعادة خصوبة التربة وتحسين الإنتاج الزراعي على المدى البعيد.
- إعادة تأهيل الزراعة المستدامة: تطبيق ممارسات الزراعة المستدامة، كالزراعة العضوية والزراعة من دون حرث لتحسين بنية التربة وزيادة قدرتها على التحمل، مع التركيز على المحافظة على الموارد الطبيعية، واستخدام تقنيات توفير المياه.
- المراقبة البيئية المستمرة: تطبيق أنظمة مراقبة بيئية شاملة لمتابعة مستويات التلوث وتحديد المناطق الأكثر تضرراً لتحديد أولويات المعالجة.
- التعاون الدولي والإقليمي: الاستفادة من الخبرات الدولية وتجارب الدول التي واجهت تحديات مماثلة، كالتجربة الأوكرانية والفيتنامية، لتطوير برامج معالجة تتناسب مع الخصائص البيئية لقطاع غزة، مع ضمان الحصول على الدعم المالي والفني اللازم من الجهات المانحة والمنظمات الدولية (Pereira et al. 2022).
تحديات وعقبات
تواجه جهود معالجة تلوث التربة وإعادة بناء القطاع الزراعي في غزة عدة عقبات كبيرة ترتبط باستمرار الحرب على قطاع غزة واستمرار التدمير اليومي لما تبقّى من أراضٍ زراعية وتلويث مستمر للتربة عبر تدمير البنى التحتية المتصلة بعضها ببعض في القطاع. كما أن التحديات اللوجستية التي تعترض عمل الجهات الفاعلة في المجال الإنساني تشكل عقبة كبيرة، متمثلة في صعوبة الحصول على التصاريح اللازمة لتسليم المواد الزراعية إلى غزة: كالبذور، والأشتال، والأسمدة، والمستلزمات الزراعية، والأدوات المساعدة. بالإضافة إلى ذلك، فإنه لا يزال هناك نقص في الموارد المالية الكافية لدعم البرامج الزراعية الطارئة بالكامل، ويعكس هذا النقص حجم التحديات الاقتصادية التي تواجه القطاع الزراعي في غزة. إلى جانب ذلك، تعيق المشكلات المتعلقة بالوصول الإنساني إمكان تنفيذ برامج التعافي البيئي بفاعلية بسبب استمرار الانتهاكات من جانب جيش الاحتلال، واستمرار إغلاق بعض المناطق في قطاع غزة، واعتبارها مناطق عسكرية حتى يومنا هذا، كمحافظة رفح، والمناطق الشرقية على طول قطاع غزة، وهو ما يؤدي إلى عدم القدرة على تقييم أضرار تلك المناطق، وعدم القدرة على تحديد الحاجات والأولويات.
كذلك، فإن الأضرار التي لحقت بالتربة والقطاع الزراعي أثرت في خصائص التربة البيولوجية والفيزيائية في الدرجة الأولى، وبحسب تجارب الدول السابقة، فإن ذلك يحتاج إلى وقت طويل للتعافي، إذ إن دولاً كفرنسا وبلجيكا ما زالت تعاني حتى الآن جرّاء تلوث التربة بالمعادن الثقيلة نتيجة المتفجرات التي تعرضت لها خلال الحرب العالمية الأولى (Paché 2024). ويخضع قطاع غزة لتحدٍ كبير في هذا المجال نظراً إلى قلة الإمكانات، وعدم توفر وسائل بديلة للمواطنين، الأمر الذي يمكن أن يجبرهم على استخدام هذه التربة الملوثة لأغراض الزراعة أو السكن من دون انتظار معالجتها، كما حدث في الحروب السابقة، وكما يحدث الآن في بعض مناطق شمال قطاع غزة.
هذه العقبات، سواء أكانت لوجستية، أم إنسانية، أم مالية، فإنها تتطلب تعاوناً مكثفاً لتجاوزها، إذ يحتاج الأمر إلى تسهيل إجراءات الوصول إلى المساعدات بصورة عاجلة، وتوفير الدعم المالي الكافي لضمان استمرارية البرامج الزراعية، الأمر الذي يساهم في تحسين جودة التربة والحد من تلوثها، وتعزيز الأمن الغذائي في غزة.
الخاتمة
إن تلوث التربة الناتج من الإبادة البيئية على قطاع غزة يشكل تهديداً حقيقياً كبيراً لاستدامة الزراعة والأمن الغذائي، ومن الضروري اتخاذ خطوات عاجلة للمساهمة في معالجة هذه المشكلة، وتطبيق سياسات مستدامة تهدف إلى تحسين قدرة التربة على التعافي وزيادة الإنتاج الزراعي بطريقة آمنة ومستدامة. ويجب أن تتبنى السياسات المستقبلية في قطاع غزة منهجاً شاملاً يجمع بين الحلول التقنية والتعاون الدولي والإقليمي للاستفادة من الخبرات السابقة في مناطق النزاع والحروب. كما هناك تحديات كبيرة تعكس الحاجة الملحة إلى اتخاذ خطوات عاجلة وشاملة لمعالجة هذه المشكلة البيئية، بما في ذلك إزالة التلوث الكيميائي، وتطبيق تقنيات المعالجة الحيوية، وتعزيز برامج إعادة التشجير واستخدام الأسمدة العضوية لتحسين خصوبة التربة. ويجب أن تكون هذه الجهود مدعومة بنظام مراقبة بيئي مستمر لتتبع مستويات التلوث وتوجيه عمليات إعادة التأهيل بفاعلية. كما أن تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية والجهات المانحة يمكن أن يوفر الدعم المالي والفني اللازم لتطبيق هذه الاستراتيجيات بصورة فاعلة نحو تحقيق استدامة زراعية واقتصادية واجتماعية للأجيال القادمة، وهو ما يقلل من الأضرار الصحية والاقتصادية، ويعزز من قدرة المجتمع على الصمود في وجه التحديات المستقبلية.
المراجع:
Aliyas, Ibraheem M. . "Impact of Military Actions on Sustainable Development in Iraq". IRA International Journal of Applied Sciences, Vol. 4, no.2 (2016).
Certini, Giacomo, Riccardo Scalenghe, and William I Woods. "The impact of warfare on the soil environment". Earth-Science Reviews, vol. 127 (Dec. 2013), pp. 1-15.
"Proportional damage to corpland in the Gaza strip". FAO, Food and Agriculture Orgsnization. 15/2/2024.
"منظمة الأغذية والزراعة تدقّ ناقوس خطر المجاعة في قطاع غزّة وسط القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية". منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، 26/6/2024.
Ahmed, Kaamil, Damien Gayle, and Aseel Mousa. "'Ecocide in Gaza': does scale of environmental destruction amount to a war crime?". The guardian, 29/3/2024
Lin, Erin. "How war changes land: Soil fertility, unexploded bombs, and the underdevelopment of Cambodia". American Journal of Political Science, vol. 66, issue 1 (Jan. 2022) [first published in 17/12/2020], pp. 222-237.
Mahreen, Khan. "The environmental impacts of war and conflict". Institute of Development Studies, 25/3/2022.
Nasir, Muh Amat, Agus Dwi Nugroho, and Zoltan Lakner. "Impact of the Russian–Ukrainian conflict on global food crops". Foods, 11(19), 2979. 23/9/2022.
Paché, Gilles. "War-related environmental crises: A reality too critical to ignore", Crisis Response Journal. 19/3/2024, pp. 46-49.
Pereira, Paulo, Ferdo Bašić, Igor Bogunovic, and Damia Barcelo. "Russian-Ukrainian war impacts the total environment". Science of the total environment, vol. 837, 1/9/2022.
Rawtani, Deepak, Gunjan Gupta, Nitasha Khatri, Piyush K Rao and Chaudhery Mustansar Hussain. "Environmental damages due to war in Ukraine: A perspective". Science of the total environment, vol. 850, 1/12/2022.
Skydan, Oleh, Vitalii Dankevych, R Garrett and Olha Nimko. "The state of the agricultural sector in Ukraine during wartime: The case of farmers". Scientific Horizons, vol. 26, no. 6, pp. 134-145 (2023).
'."State of Environment and Outlook Report for the Occupied Palestinian Territory In"2020 . UNEP, 28/8/2020.
———"Environmental Impact of The Conflict in Gaza: Preliminary Assessment of Environmental Impacts". UNEP, 18/6/2024.
"Damage to agricultural wells due to the conflict in the Gaza Strip as of 20 May 2024". United Nations, 14/6/2024.
"West Bank and Gaza - Country Climate and Development Report". World Bank Group, 1/9/2023.
———"GAZA STRIP INTERIM DAMAGE ASSESSMENT". World Bank Group, 29/3/2024.
1