تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مقدمة منصة توثيق تدمير الزراعة والبيئة في قطاع غزة


في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، شنت إسرائيل حرب إبادة على قطاع غزة، تعّمدت خلالها بتدمير ممنهج لكافة مناحي الحياة والبنية التحتية، واستهداف القطاعات الحيوية التي يعتمد عليها الفلسطينييون للبقاء على قيد الحياة والصمود في أرضهم. ومنذ الأيام الأولى للحرب، أظهر القصف المكثف والمتعمد أن هذه الحرب ليست فقط عدواناً عسكرياً، بل أيضاً حرب إبادة موجهة ضد المجتمع الفلسطيني وموارده الأساسية. وقد شمل هذا التدمير الممنهج القطاع الزراعي والبيئي، حيث استهدفت الآلة العسكرية الإسرائيلية الأراضي الزراعية، ومزارع الإنتاج الحيواني، والموارد المائية، والبنية التحتية المرتبطة بالزراعة والبيئة، في محاولة لقطع سبل العيش وتجويع الفلسطينيين.

إبادة زراعية وكارثة بيئية تهدد مقومات الحياة الأساسية

في أبريل الماضي، وبعد أن شهد قطاع غزة دماراً شاملاً للبنية التحتية الزراعية، أصدرت الأمم المتحدة بياناً يضم آراء 19 خبيراً دولياً، يحذرون فيه من "إبادة بيئية وزراعية"، معتبرين أن الهجمات تهدف إلى "تدمير أسس الاستدامة الزراعية والبيئية التي يعتمد عليها السكان في غزة". وفقاً لهذا البيان، فإن "الإبادة الزراعية" تشير إلى "التدمير المنهجي للأراضي والموارد الزراعية، وقتل أو تهجير المزارعين، وتعطيل إنتاج الغذاء، وتدمير الموارد البيئية الطبيعية". وبحسب التقارير الفلسطينية، فقد تم تدمير أكثر من 85% من الأراضي الزراعية في غزة بشكل جزئي أو كلي، بالإضافة إلى القضاء على شبكات الري وأنظمة الصرف الصحي[1].

وتشير التقارير إلى أن أكثر من 10,000 مزارع فلسطيني فقدوا مصدر دخلهم بسبب تدمير أراضيهم، بينما دُمرت مزارع الإنتاج الحيواني التي تؤمن الغذاء لآلاف العائلات خاصة وأنها تقع في مناطق شرق قطاع غزة بمحاذاة جدار الفصل الذي طوقت به اسرائيل قطاع غزة. كما تشير التقديرات إلى أن الحرب أسفرت عن تدمير مئات الآبار المائية وآلاف الدونمات من الأراضي الزراعية وتوقف سلالات الإنتاج الغذائي، ما تسبب في كارثة بيئية طويلة الأمد. وهذا كله يأتي في إطار استراتيجية ممنهجة لإبادة البيئة والزراعة، ما يؤدي إلى استدامة الأزمة الإنسانية في غز[2].

تاريخ طويل من الاستهداف والتدمير للزراعة


منذ احتلال إسرائيل لقطاع غزة في العام 1967، كان القطاع الزراعي الفلسطيني أحد الأهداف الأساسية للإلحاق والتدمير الإسرائيلي. اعتمدت إسرائيل على استراتيجية متعمدة لتدمير الموارد الزراعية، سواء من خلال مصادرة الأراضي أو تجريفها، أو منع المزارعين من الوصول إلى حقولهم عبر إقامة المستوطنات والحواجز العسكرية. خلال الانتفاضات الفلسطينية وحروب غزة المتتالية، شكل تدمير الأراضي الزراعية جزءاً أساسياً من الأدوات العسكرية المستخدمة لإضعاف الاقتصاد المحلي وإبادة المجتمع الريفي.

إلى جانب ذلك، فرضت إسرائيل قيوداً على إدخال المعدات الزراعية والبذور، كما عطلت أنظمة الري من خلال تدمير الآبار وشبكات المياه التي يعتمد عليها المزارعون، مما أدى إلى تقليص الإنتاج الزراعي المحلي بشكل كبير. وفقاً لمنظمات حقوقية فلسطينية ودولية، فإن سياسات إسرائيل تجاه الزراعة تمثل جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها وإضعاف قدرتهم على الصمود.

المجاعة كأداة من أدوات الإبادة

تُعد المجاعة أداة تقليدية في سياق الحروب لإضعاف السكان المدنيين وتهجيرهم قسراً. في قطاع غزة، ومع تدمير الأراضي الزراعية والبنية التحتية، أصبح التهديد بالجوع وسيلة رئيسية من وسائل الإبادة. اعتمد الاحتلال الإسرائيلي على فرض حصار خانق على غزة، يمنع دخول المواد الغذائية الكافية، ويقيّد حرية المزارعين في إنتاج وتوزيع المحاصيل. هذا، إلى جانب استهداف مزارع الإنتاج الحيواني والمائي وتدمير المحاصيل الأساسية، أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر الغذائي، وزيادة الاعتماد على المساعدات الإنسانية.

وبحسب تقارير منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، فإن انعدام الأمن الغذائي في غزة وصل إلى مستويات خطيرة خلال حرب الإبادة، حيث يعاني الفلسطينيون في قطاع غزة من فجوات كبيرة في التغذية الصحية، ما يعزز الخطر المستمر لإمكانية حدوث مجاعة. إن استهداف الزراعة بشكل ممنهج يتجاوز مجرد تدمير مادي للمحاصيل والأراضي الزراعية، ليصل إلى مستوى أعمق من استهداف قدرة السكان على البقاء، مما يشكل إبادة من نوع آخر تستهدف مقومات الحياة الأساسية.

 

مصادر:

  • منظمة الأغذية والزراعة، تقرير دوري.
  • منظمة الأسكوا، تقرير دوري.
  • المراجع: 
  • مركز الميزان لحقوق الإنسان
  • مؤسسة الدراسات الفلسطينية
  • منظمة الأغذية والزراعة
  • جهاز الإحصاء الفلسطيني